jeudi 1 septembre 2011

يوميّات شاب تونسي


الجزء الاوّل




الساعة تشير الى الثانية صباحا. سكون يخيم على شارع الحبيب بورقيبة الذي كان منذ ساعات ينبض بالحياة فلا يسمع الا ضجيج السيارات و صفارة شرطي المرور التي اختلطت بأصوات المارة و هتافات الباعة المتجولين.

ارتدى الشارع ثوب الليل الحالك و عم الهدؤء كامل أرجائه و بقيت بعض القطط تجول باحثة في القمامة عن بقايا طعام تسدّ به رمق جوعها.
وقف عبد الله فجأة بعد أن كان يحثّ خطاه ليعود الى المنزل. أراد أن لا يضيّع فرصة الاستمتاع بجمال "تونس" في الليل. جمال مختلف عن جمالها في النهار, جمال هادئ يداعب نفس كل من يحمل في قلبه حب ترابها و شغف هوائها.
هي عروس نائمة حالمة تحت نجوم سمائها التي زادتها بريقا و رونقا.
قال لها بصوت العاشق المتيم بحب عشيقته: أحبّك حتى التّعب !

<< كيف تنامين يا تونس و فيك من لا يعرف طعم النّوم? كيف تنامين و أمّ الشهيد لم تنم بعد ? كيف تنامين و دعمة المظلوم لم تجفّ بعد ? كيف تنامين و صرخة المقهور لم تتلاش بعد ? كيف تنامين و عيون المهمومين لم يُغمض لها جفن . كيف تنامين ? ألا تسمعين يكاء الأرامل و نحيب اليتامى ? هل خدّرتك رائحة دماء الشّهداء? >>

نظر حوله فلم ير سوى رجل افترش الارض و التحف السّماء و استسلم لنوم عميق و رجل آخر يمشي وحيدا،حافي القدمين،عاري الصّدر،يدخّن سجارته....
استوقفه منظر الرجلين و تمنى لو أنّه أحضر دفتره ليكتب الكلمات التي تسلّلت الى ذهنه إثر رؤية هذين الرجلين;غريبين في زمن غريب و عالم حقير نصفه جائع و نصفه الآخر مصاب بالتخمة!
ليس من الضروري ان يكون للفرد سرير فاخر و لحاف من حرير لينام نوما هنيئا تعانق فيه روحه أجمل الأحلام الوردية . فالأحلام لا تفرّق بين من ينام على سرير و من ينام علي التراب !

فجأة سمع صدى أصوات ! صدى صراخ! صدى غضب ! صدى كلمة هتفت بها آلاف الحناجير ! صدى بيت شعري تكرّر عديد المرات!
ذكّر ذلك اليوم ! يوم عانق هذا الشّارع كل من وقف فيه ! يوم إهتزّ هذا الشّارع اهتزاز البركان الخامد ! يوم رقص أشجاره و عصافيره علي نغمات النشيد الوطني ! يوم صرخ مع الرّجال و بكى مع الاحرار و غنّى مع الأبطال!
تذكّر...تذكّر...بكى
سمعه الشارع فشاركه بكاءه
قال له:
أين أنتم ? لماذا لم تعودوا ?
مازلت في إنتظاركم
لن أملّ
سأسقي أملي في عودتكم كل يوم
إشتقت إليكم ....إشتقت الى أقدامكم ...إشتقت الى حبّات العرق التي تتساقط من جباهكم ...إشتقت إلى أصواتكم و صراخكم ... !
لا تتركوني وحيدا , كئيبا, يمشي فوقي الجبناء !
عودوا !
سأفتح لكم ضراعيّ و أغمركم بعطفي و حناني
مازلت في إنتظاركم !
عل سيطول إنتظاري ?

ودّع عبد اللّه الشارع بنظرات ملؤها الأسى و الحسرة و بكلمة: "سنعود"
حلّقت هذه الكلمة و امتزجت بنسائم الليل فتعطّر فجأة الجوّ و تحرّكت أوراق الأشجار كأنها تعبّر عن فرحتها !


هوى على فراشه،خائر القوى،أعاد شريط يومه،لم تعجبه بعض أفعاله و لكّنه استحسن البعض منها . رتّب أحلامه، سقاها بقطرات الامل و زيناها بحلي اليقين و الصبر .

< سقطت ورقة من اوراق عمري، لن تعود هذه الورقة ! فيا ربّي اكتب لي يوما آخر فمازلت لم أحقّق ما أريد تحقيقه و لا أريد أن أموت و بلادي على هذه الحال،،،، >

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire